.

بسام أبو شريف

بقلم abu_omar_admin

د. حنا ميخائيل: نسمة حرية انتشرت

كلما أعدت قراءة التاريخ تظهر الحقيقة اوضح، فالصراع بين الإنسان والإنسان صراع ذو أهداف اقتصادية. والأمر نسبيا متشابه عندما يكون صراع الإنسان مع الإنسان في مجتمع واحد أو الصراع بين مجتمعين أو أكثر.

والتحالف بين مجتمعات ضد مجتمعات له أيضا أهداف اقتصادية ومصلحة يقسم فيه أطراف الحلف المنتصر المفاهيم وتوزع على أطراف الحلف المهزوم قواعد الاستغلال والاذلال.

وبدأ الأمر لاستغلال القوة العضلية واستعبادها وامتد ليشمل منتجاتها الزراعية وثروات الأرض من المعادن ثم النفط والغاز. وامتد الصراع بين أطراف الحلف المنتصر واسعا في محاولة لسيطرة أوسع على الثروات الكامنة في باطن الأرض والأسواق التي نمت على وجه الأرض.

وغزو فلسطين خلال القرون يندرج تحت هذا العنوان أيضا؛ مسألة فلسطين ليست مسألة صراع ديني بل هي في صلب عملية السيطرة والنهب الذي تخطط له وتنفذه قوى التحالف المنتصر – وهي القوى الغازية ومن يدور في فلكها – وتعيث في أراضي الشعوب نهبا وتنزل بهم ضيم الاستعباد والاذلال.

هكذا فقدت أمم وشعوب حريتها وحرمت من القيم الانسانية وحقوق لا يمكن لأحد يؤمن بالحرية والعدالة ان يقبل بها. وهذا ما أنزل بفلسطين حلقة وصل القارات الثلاث افريقيا وآسيا وأوروبا. هذه الأرض العربية الثمينة التي كانت عربية قبل عيسى وموسى ومحمد، الأنبياء الذين حملوا رسالة الهية للبشر.

ودافع عن فلسطين اهلها العرب وواجهوا الغزاة وانتصروا في كل مرة لأن جذورهم عميقة في هذه الأرض التي لها ذكريات كانت (وما زالت) عربية قبل اليهودية والمسيحية والاسلام. والذين دافعوا عن عروبة فلسطين في القرن الماضي كانوا أهلها من الذين آمنوا بالمسيحية وآمنوا بالإسلام فواجهوا الفرنجة وطردوهم من أرض فلسطين العربية.

وفي مواجهة غزوة الفرنجة الجديدة ورأس رمحهم الصهاينة، وقف أهل فلسطين مرة أخرى ليدافعوا عن عروبة الأرض والحرية وحقوق الانسان. مسيحيون ومسلمون وقفوا صفا واحدا ليواجهوا الفرنجة الجدد (الصهاينة).

ولا يغيب عن ذهن أحد أن الصهاينة الأعتى هم فئات ذات مصلحة في سحق حرية عرب فلسطين أمثال جيري فولويل من المسيحيين الجدد في أمريكا.

في ظل هذه المعارك الغازية وذات الموازين غير المتكافئة، يقف الغرب (الفرنجة) بكل ثقلهم دعما لرأس رمحهم الجديد في فلسطين ... الصهاينة. وهم لا يأبهون للدين؛ فهم يساهمون في اضطهاد وقتل الفلسطينيين مسيحيين كانوا أم مسلمين.

والذين يدافعون عن عروبة الأرض في مواجهة الفرنجة يقاتلون بايمان لا يتزعزع بالنصر مسيحيين عربا كانوا أم مسلمين عربا.

ومنذ ثورة الشعب الفلسطيني لانتزاع الحرية والاستقلال بعد الحرب العالمية وقف الجميع ثوارا من أجل الحرية مسيحيين ومسلمين... وكم من شهيد سقط دون ضجيج ... وكم من مناضل صرخ دون صراخ ألم.

هنا تظهر أمام عيني لائحة طويلة من أناس ضحوا بأنفسهم من أجل القيم الانسانية الرفيعة، من أجل حرية الانسان وحقه في تقرير المصير واستقلاله وشق طريقه مع شعبه نحو التطور والنمو.

ذهبوا كنسمة حرة ولم يعودوا ... افتقدهم من يعرفهم وبكتهم دموع صامتة وساخنة، فالوطن خسر الكثير بغيابهم وان لم يعلم الكثيرون كم كان لهؤلاء قيمة كبيرة.

ويبرز أمامي الآن الدكتور حنا ميخائيل (أبو عمر) الذي ذهب كنسمة حرية لا تفنى بل تجول في السماء دون كلل انتظارا بأن تعم الحرية أرجاء المعمورة.

كان هادئا صامتا مفكرا يبدو خلف نظارته كعالم يحاول أن يكتشف معادلة كيميائية جديدة تساعد على انتشار الحرية وانتصار العدالة.
عندما التقيت به أول مرة كان يتصرف ويتحدث بتواضع شديد لدرجة انني ظننته خجولا. كان لبقا ومهذبا، فشعرت أننا ما زلنا على مقاعد الدراسة في الجامعة .. الحديث كان مقتضبا ودون اسهاب.

لقد تفاهمنا دون أن نبحث ذلك لأن مستوى الادراك لا يتطلب اسهابا بل تحليلا سليما والوصول الى خلاصات واستنتاجات. مثقف، مطلع، يعي تماما القوانين التي يخضع لها العمل في تلك المرحلة.

واستيعاب الدكتور حنا لقوانين التراكم الكمي والتغير النوعي والجدلية كان استيعابا خلاقا. ولم يكن لدى الدكتور حنا ميخائيل (ابو عمر) أوهام حول المشاق والمصاعب التي نواجهها في نضالنا وأهمها الفقر الاداري وغياب الاتقان في معسكراتنا.

وكان طبيعيا أن نعمل مع الآخرين من أجل رفع مستوى القدرات البشرية وتمرس البشر بالعمل الى حد الاتقان وتنمية روح المبادرة والقدرة على تنمية المدارك الى حد يصبح معه المقاتل خلاقا.
كنت تجلس معه وتناقش باختصار فيبدو هادئا مركز التفكير، وعندما تنضج الفكرة أو الخطة تجده تحول الى شعلة نشاط فتطول قامته المتواضعة وكأنه يقفز الى أعلى وينطلق.

وهذا ما حصل في الليلة التي اختفى فيها...فاختفت نسمة من نسمات القتال من أجل الحرية.

كان أخوة لنا قد حوصروا ولا طريق للوصول اليهم لنجدتهم سوى البحر والبحر كان هائجا ومفخخا بزوارق الأعداء. وصمم أبو عمر وقفز من جلسة كان فيها هادئا ومركزا وانطلق مع أخوة له يشد ازرهم ويبث فيهم روح الشجاعة والاقدام.

وبخطواته القصيرة والسريعة امتطى القارب وشق عباب البحر لكنه لم يصل الى المجموعة المحاصرة.

عاد الى فلسطين الحبيبة القريبة ...

وغاب عنا مفكر، مثقف، تملأ شرايينه دماء مقاتل من أجل قيم انسانية سامية أهمها الحرية.

فيا شهيد الحرية، شهيد فلسطين العربية، لك من العهد بأن لا نهنأ ولا نلين طالما بقيت حريتنا مسلوبة.

===

بسام ابو شريف، المستشار السياسي للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.

عمان آب 2011


صفحة البداية | الاتصال | خريطة الموقع | | icone statistiques visites | info visites 0

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع ذكريات ودردشات  متابعة نشاط الموقع الأصدقاء والمعارف   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC

Contact Email

info (at) abu-omar-hanna.info