عزيزة ميخائيل (أم حنا)
عتاب
"من لوعة الأم الثكلى التي فقدت الأمل ولكنها لا زالت
تفتش عن غيمة تحتوي ابنها الوحيد (أبا عمر) مترجية
الله أن لا يعيده ليرى ما آلت إليه كل جهوده رغم
حزنها بفراق زوجها أبوحنا دون همسة وداع من ولده أبي عمر "
غفرانك ربي من كفر لبس الصبر رداء
لرياح تخلعني من أرض لغيوم جرداء
لعيون ذابت مني صبراً للقاء
للقاء يا ولدي، آه كم عشت الليل لقاء
آه يا ولدي... كم كنت لنا طيباً يبتسم الورد له
ووحيداً لأبيك... مصدر خير وعطاء
في الرعب الصهيوني... نسجت ألياف صباك
بين دمار... وقتل في جوف الليل ترعرعت
خبأتك في جوفي من غضب آت
حتى تكبر وتشعل بالنور الدرب لشعبي
لتحررها من حقد زرع بأرضي رعباً وتعصب
كيف أسطرها يا ولدي صيحة أم
لوعة شوق تشنقني... زغروتة حب أرسمها
ملصقة في عيني
دمعاً أسقيها دفئاً تطعمني
والعمر شموس يا ولدي
تسطع في جوفي خرساء بلا خبر أو حرف
وأنا في الشرفة يا ولدي
مصلوبة عيني في أفق أبعد من أفقي
الأرض أقبلها إن طرقت بابي نملة
أملاً أن تحمل قشة من عشك يا ولدي
وعتابي أن المذياع الملصق في أذني
كم فجرت به سخطي
ما من نبأ يحمله يشبع لي عطشي
وأظل أصلي حتى آخر رمق من عمري
اتظلى في شمس الأعداء أنادي
رب الرحمة هل من جسد يشبه ولدي
اتعربش بالطير الشاهد يحمل منك لنا خبر
والقبر صدى... لشهود تحكي تخلع صدري
والرؤيا تلبس ثوب عمام يسلخ مني قلبي
أمجازاً أنت... أم حبة قمح تطعم خيراً للكل
الحكمة... كل الحكمة... من لطخها
من ذوب منك الحلم من سوقه
من توه في الصحراء شعبك من جوعه
وأذاب عيون الأطفال حلماً طوعه
أشهيد أنت أم طيف ملاك
حياً يا ولدي أنت تقبع بالشمس
أم رؤيا تختال بغيمة صيف
فتشنا عنك الشمس نجوماً والقمر
كفري المحزن يا ولدي
شهوة أمل آت تلتحف العمق بعيداً
حتى لا ترى عيناك سمكاً حوت يبلعه
كعيون سحقت في سجن يدعى وطني
أرسلناهم ودعنا أطفالاً بعمر الورد
أطفالاً في عمر الفجر
داستهم أقدام سارق أرضي
حملناهم ألف سلام وسلام
باقة ورد من خلف البيت قطفناها
من جنة حب صنع يديك
وعلى قبر رفاق الدرب وضعناها
أملاً أن يخطر طيف نسيم حمّلناه
بسمة حب ضمة شوق لسما تقطنها
مات أبوك والأحرف في شفتيه
تسأل كل اله فجر بعثاً للحق
تسأل عنك غيوم الأرض جميعاً
هل أنت بخير... يا ولدي تبغى فجري
العمر شموس طالت يا ولدي
والثورة في جسد الأطفال انطفأت
كفرك ربي أن الموت حنان
أطيب من رؤية ما يقذفه البحر لرملي
قرفاً يملأ ثورة شعبي قرفاً
أملي أنك أبعد من كل الغيم
فلقد أفلت بعدك كل نجوم الفكر
كل الشرفاء التحفوا بالأرض ضحايا
والساحة فرغت لسماسرة الأرض التجار
يا للحسرة يا ولدي قد سرقوا منا الشمس
وانتشرت في ظلمتنا شلل ذئاب
تنهش منا الرؤيا وعيون الفكر
أحلام شتات الأطفال
يا لسلام ينخر سماً قد دمر كل سلام
آه لو كنت هنا يا ولدي
لترى ما سموه ذئاب الأرض سلام
لركبت الموج
أبعد من كل موج
آه... آه يا ولدي لو اعرف شاهد قبر
لأضمك بالحضن
طيفاً يتألق في قبري
ام حنا
رام الله 1980
ولدي الحبيب
من عزيزة ميخائيل لولدها
المففود الدكتور حنا إبراهيم
ميخائيل الملقب بأبي عمر
أنت للعرب ذخر
وللوطن فخر
ضحيت بالغالي من أجل إذلال
عدو لدود
ضحيت بالولد والعلم والأدب
حتى عن العرب تذود لتنصر المظلوم
وترفع المعدوم يا ولدي
اشتغلت في الخفاء لترفع عنا البلاء
أنكرت ذاتك وعززت رفاقك
زرعت بذرة الكفاح ورفعت بيدك السلاح
في ديننا الحرب لا يكافى
والوحيد منا معافى
فما بالك تكسر القانون وترحب بالمنون
ألا تدري أن أمك وأباك بالصبر ينتظراك يا ولدي
إلى أين ذهبت يا ولدي وتركت مهجة الكبد بالنار تستعر
وبالحبيب تنتظر
ألا يكفيني
ما ذقت من المرارة والمقت
تعودت جرع المرارة وسلمت أمري للخسارة
فمن في داخل القلب يدري يا ولدي
والدك الحنون قد لاقى المنون
وتمنى أن يراك في لحظة فراق
ولكن الزمان ظالم يا أنام
ولدي الحبيب!
لما عجلت بالسفر وركبت قارب البحر
لتنقذ طرابلس من الغدر وتنادي وتستجير
ولكن من يبحر يا مهجة الكبد
لقد نفذ صبري وتحيرت في أمري
وقلت لو عندي عشرون عن العرب
يذودون ومثلك مخلصون
لهان أمري وجف دمعي يا ولدي
ولدي، يا زينة الشباب وبطل الأبطال
وأخلص الأحباب ومن يسمع بك لا يدري
لا أنت قديس ولا أنت قسيس
بربك قل لي – هل أنت ملاك
كل من رآك يهواك، ويقول
هذا هو البطل المغوار الصامد الجبار
أنت يا ولدي
قلت لنا أن المطار قريب
تعالوا دائماً أنا لست بغريب
محبة الأوطان فرض على الإنسان
سأخدم بأمان طول الزمان
كنتم وكنا وكانت الأيام تجمعنا
فلما هذا الفراق الرهيب يا ولدي الحبيب
غبتم وتركتموني، إلى من أوكلتموني؟
إلى ربك الحبيب عليه توكلت
وبكم تأملت، فهل أملي يصيب؟
قال لي كل فلسطيني لا إبناً وبك يعنى
قلت هذا صحيح يا ولدي
ولكن ما العمل في عزة النفس
ولدي ليس بعده وليد، ولا لسواه في قلبي نصيب
لقد غاب عن بصري ولكن عن فؤادي لا يغيب
صهيوني كفاك اعتداء، فللعرب زنود أشداء
تكيل لك الصاع صاعين
عندما تلتقي العين بالعين
ناديت بتوحيد العرب ليرفعوا عنا الكرب
فمن لنادل استجاب يا معين الأحباب
فلسطيني البطل المخلص
لا بد لك يوماً أن تنتصر
وترد عنا العدا ولو للمنية استشهدا
قالوا اشربي المر، قلت المر مشروبي
وأنا صابر على وعدي ومكتوبي
بالنار بالنار كويتوني، وأحرقتوا قلبي عندما تركتوني
يا موقد النار أوقدها وعليها
والنار ما تحرق إلا الذي دعس فيها
أضمد جرحي وصاحب الجرح مش سائل
فقلت يا عين ليش بتبكي ما دام الليل ما لوش آخر
كتبت هذه الأسطر من أجل حرقة كبدي على ولدي
ولكن ما أصابني من فراق الحبيب فؤاد
فهو أشد حرقة من تلك
فرحمتك يا رب
لماذا هذا كله من أجلي
أهذه هي محبتك لي
ما أعظمها يا الله
فشكراً جزيلاً على هذه الحياة المرة
التي أنعمت بها علي من حين ولادتي إلى مماتي
ام حنا
رام الله 1980
موقع صمم بنظام SPIP 3.2.19 + AHUNTSIC
Contact Email
info (at) abu-omar-hanna.info